يُطلب منك كصحفي عامل في المجالات المختلفة أن تضج بطاقة إنتاجك بالمواد الغنية والدسمة التي تكون بمجملها محور جديد غير سابق التطرق له إيعاذا منك للتفكير خارج الصندوق وأن تكون مخيلتك أشد مدا للنظر من عينك التي لاتستطيع حتى أن ترى سلال الجبال المحيطة بخارطة حياتك المهنية. لعنة بطاقة الإنتاج لم تكن على ورقة عملك وحدها فتضخم الأفكار ووفرتها محطات متوقفة عن العمل لشح مواردها الأسياسية الإحصائيات غائبة والحلول غير ممكنة التصريحات مقيدة حتى أن أهل النصح قل نظيرهم كما أن الثقة بك معدومة والتشكيك بالتحريف مهرب المسؤول عن التصريح وحجته رغم أن وقعك اليوم لم يعد له هذا الأثر فالمعلومات بمتناول الجميع ولايخف على أحد مدارها إلا أن رتابة التقليد بكتابة التقرير سيف يجز رقبتك ويمنعك حتى عن البوح أو الاقتراح. سابقا كان لكل قبيلة مجموعة من الحكماء يلجأ إليهم أفرادها وحتى زعيمها رغم توفر الحل لديه إلا أن الاستئناس أحيانا يولد القبول والرضا بالمشاركة، وهو الأقرب للغة أفراد القبيلة والقادر على شرح مايعجر عنه مجلسها فلم تكن وظيفته ثانوية. يتنبأ أحد أبناء المهنة باندثارها فلا معنى من نقل المعلومة بعيدا عن تحليلها وهو أمر غير ممكن دون الاستناد على مرجع بات غائبا اليوم لشح مواده الأولية. ليست مهن العقل وحدها التي بدأت تتآكل قيمها، بل حتى تلك الأعمال التي يتطلب إنجازها جهداً جسدياً لم تعد تصل حد كفافها ولا تسد رمق حاجة متقنيها مهما علا شأنها أو سمت براعتها، لا يسعنا هنا إلا أن نستشهد بإحدى نظريات كارل ماركس، وهي واحدة من تلك النظريات الاقتصادية الأساسية التي اعتمدها ماركس في شتى كتبه كانت نظرية قيمة العمل التي تقول بأن القيمة الاقتصادية لأي سلعة كانت لها علاقة طردية مع كمية الجهد التي صرفت لإنتاجها، اليوم معظم الاقتصاديين يؤمنون أن نظرية العمل هذه لم تعد ذات قيمة دقيقة، بل تحولت لمقاييس مختلفة سواء لرب العمل أو للعامل ذاته. يقول الكاتب الاقتصادي الأمريكي بيتر دراكر: "يجب أن تكون المؤسسة، بحكم التعريف، قادرة على إنتاج أكثر أو أفضل من جميع الموارد التي تتكون منها". لايقودنا هذا الاقتباس لإلقاء اللوم على المؤسسة بقدر ماهو مؤشر لتغير التفكير بنسق ماهو مطلوب فليس المهم أن تخبرني بما هو موجود وما تملك بقدر المفاجآت التي أنتظرها منك بقلب المستحيل ممكنا وهو مايمكن لمسه بالإبداع المطلوب الغائب عن سلم الإدارات. نتابع مع جزء من فلسفة "دراكر" المشهورة، والتي تُفيد بأن كل ما تحتاجه المجتمعات هو بضعة من العقود لكي تتغير بل وتتحول إلى مجتمعات مختلفة كليا، فيعيد المجتمع النظر في قيمه الأساسية، وأسسه السياسية والاجتماعية، بل ويعيد تشكيل مؤسساته الرئيسية، وفي غضون خمسين سنة يتحول المجتمع إلى مجتمع مختلف كليا. وهنا تكون أكثر المجتمعات المتحولة والمتغيرة في نظره هي المجتمعات التي تتحول إلى مجتمعات المعرفة التي تمنح القيمة للعقول أكثر من الماديات، مجتمعات تعتبر "عامل المعرفة" مصدر مهم للإنتاج، بل أكثر أهمية من الأرض ورؤوس الأموال المادية و العمالة، وهو ما سيؤدي إلى عصر "ما بعد الرأسمالية". لنقف عند كلمة المعرفة لأن خُطا السير بعدها غير ممكنة فهل هو شح بالموارد أم بالأفكار.. أقوال لابد من ذكرها: يعرف القادة الفعالون أن الموارد ليست هي المشكلة أبدا، إنها دائما مسألة أو حيلة "توني روبينز". يكمن مستقبل كل مجتمع في الاستحواذ على شغف وخيال وموارد شعبه "إرنستو سيرولي". مع أي موهبة وموارد لدي، أحاول أن أجلب الضوء لاختراق الظلام الذي يشعر به كثير من الناس "توماس كينكيد".